الفنّ الضائع في المجتمع

 

 



عندما تتناقش مع بعض أقرانك في هذا المجتمع فإنك غالباً تكون ضحية نرجسية الطرف الآخر في الحوار، فهو يرى دائماً أنه يملك الحقيقة المُطلقة ولو ادّعى غير ذلك، هو لا شعورياً يقول: “أنا الحقيقة وليس هناك حقيقة غيري” ، وبالتالي تجد النرجسية والكبرياء هُما مفتاح إنهاء أي حوار بين أكثر من طرف في هذا المجتمع.

أغلب من في هذا المجتمع يفتقر لفن النقاش والنقد، يظن الشخص الذي سوف يدخل في نقاش مع طرف آخر أنه على حق مطلق وبالتالي دائماً ما يسارع بنقد الطرف الآخر ونعته بكلمات جارحة، فهو لا ينقد فكرة وإنما يحاول هدم الشخص الذي يحاوره لأنه يهدد نرجسيته وكبرياءه بين الناس، هو يريد المحافظة على مركزه في المجتمع ولا يهتم أبداً بإخراج أفكار إبداعية جديدة، فالأفكار الجديدة قد تخطف منه الأضواء وتُنهي سلسلة الاستعباد الفكري لعقول الناس، شعاره الوحيد “أطفئ مصباح عقلك واتبعني” ، فهو يدّعي أنه يرى الحقيقة المُطلقة ويستلذ باستعباد عقول الناس.

لذلك في هذا المقال سوف نتكلم عن النقد وأنواعه، ثم نوضّح فن النقد، حتى نُنهي سلسلة الاستعباد الفكري التي بدأناها واستعبدنا عقول بعضنا البعض مما أثر سلباً على مجتمعنا وألقانا في بئر التخلف والاضمحلال الفكري.


ما هو النقد؟

النقد هو التعبير المكتوب أو المنطوق من متخصص يسمى ناقداً عن سلبيات وإيجابيات أفعال أو إبداعات أو قرارات يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشر في مختلف المجالات من وجهة نظر الناقد، كما يذكر مكامن القوة ومكامن الضعف فيها، وقد يقترح أحيانا الحلول؛ وقد يكون النقد في مجال الأدب، والسياسة، والسينما، والمسرح وفي مختلف المجالات الأخرى.

قد يكون النقد مكتوباً في وثائق داخلية أو منشوراً في الصحف أو ضمن خطب سياسية أو لقاءات تلفزيونية وإذاعية.

النظر في قيمة الشيء، التقييم، فالنقد المعرفي مثلاً هو النظر في إمكانية وشروط المعرفة وحدودها، وهو عموماً عدم قبول القول أو الرأي قبل التمحيص، وينقسم إلى نوعين عامين: نقد خارجي وهو النظر في أصل الرأي، ونقد داخلي وهو النظر في الرأي ذاته من حيث التركيب والمحتوى.


من الشرح السابق للنقد وجدنا أن النقد يختلف باختلاف المجالات، ولن يعنينا في هذا المقال إلّا النقد المعرفي، فهو النقد الذي نستخدمه يومياً في مناقشاتنا، وعلى حسب المعلومات المطروحة في النقاش يكون نوع النقد المعرفي، فأولاً نحاول نقد المعلومة نقداً خارجياً فننظر في أصلها، فلو كان أصلها ضعيف لن ننقد محتواها فهي مبنية أصلاً على أساسات ضعيفة؛ أما لو كان أصلها صحيحاً فننتقل للنقد الداخلي فننقد تركيب الفكرة ومحتواها؛ بالفعل كلنا يفعل هذا ولكن بنيّة تجريح صاحب الرأي وليس بنيّة الثراء الفكري والمعرفي.

وعلى حسب نية الناقد للفكرة تكون أيدولوجية النقد، فقد يكون نقداً بنّاءاً يهدف لإثراء صاحب الرأي وتعديل فكرته بهدف تقويتها والاستفادة منها قدر الإمكان حتى لو كانت ضعيفة، فتجد النقاش وقتها يبدأ بطرح الأفكار والنظر في أصلها ثم محتواها الداخلي ثم بعد ذلك نحاول الاستفادة من كل تلك الأفكار مهما كانت درجة قوتها أو ضعفها حتى نخرج برؤية أوضح وأشمل؛ ولكن قد يكون النقد هدّاماً، فقط يهدف إلى هدم الفكرة مهما كانت درجة قوتها وتتحول ساحة النقاش إلى ساحة سبّ وشتم وإهانة وتجريح واستهزاء، ويخرج الأطراف من النقاش بلا شئ سوى السلبية والخسارة الفكرية والوقت الضائع في السلبيات؛ وبالطبع أغلبنا في هذا المجتمع من النوع الثاني، النوع السلبي الذي سلاحه الوحيد الإهانة والسخرية، والدّافع الذي يحركه هو النّرجسية والكبرياء؛ أمّا النوع الأول، النوع الإيجابي فهو قليل في مجتمعنا ويعيش حياة فكرية صعبة بسبب كثرة وانتشار النوع الثاني السلبي؛ لذلك سوف نحاول توضيح فن النقد الإيجابي البنّاء حتى نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عقلية في هذا المجتمع.


ما هو فن النقد؟

للنقد فنّ يجعله يؤتي ثماره الجيدة، فقبل أن تنتقد عليك أولاً أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر، فكما أنت تحاول الوصول للحقيقة هو أيضاً يحاول الوصول للحقيقة، وقبل أن تبدأ في النقاش مع الطرف الآخر تنازل عن نرجسيتك وكبريائك وكن متواضعاً فأنتما متساويان، بعد ذلك أثناء النقاش تكلم بهدوء ومنطقية واجعل عقلك فقط هو مديرك ولا تجعل العاطفة تتدخل أبداً حتى لا تتحول ساحة النقاش لقتال عاطفي ينتهي بالسباب والإهانة، حاول الوصول لرأي وسيط بينك وبين الأطراف الأخرى حتى تخرجوا من الحوار برؤية أشمل وأكثر منطقية، وبعد انتهاء الحوار قم بتوجيه الشكر لكل الأطراف المشاركة في الحوار، هذا الشكر على الثراء المعرفي الذي تم طرحه على مائدة الحوار وعلى النقد البنّاء الذي ساهم في خروج فكر جديد وراقٍ.

هناك شئ آخر مهم، لا تدخل في نقاش مع أي أحد وهو غير مستعد نفسياً، وذلك لأن نقاشك معه سوف يُحرك عاطفته قبل عقله وسوف يجعلك تؤذيه نفسياً أكثر وأكثر؛ فالنقاش له وقته وليس كل وقت مناسب للنقاش، فهناك أوقات يحتاج فيها الإنسان لمن يُسانده عاطفياً لا من يُشعره بالنقص في أي شئ، فالمنطق والعقل ليس كل شئ، هناك قلب يجب الاهتمام به ولذلك ارحموا الناس وارحموا أصدقاءكم ولا تدخلوا معهم دائماً في نقاش، فقد يكون محتاجاً لمساندة نفسية منك فلا تُشعره بنقص فيه في هذه اللحظة لأنه سوف ينفجر فيك وتتحول نفسيته ناحية الاتجاه السلبي فيتألم نفسياً أكثر وأكثر؛ فكما هناك منطق يكون هناك روح للمنطق تجعلك تُقَدّر الآخر وتعطف عليه وتُسانده نفسياً وهذا شئ مهم جداً لا يجب إغفاله حتى نرقى بأنفسنا نحو حال اجتماعي وثقافي أفضل.


كانت هذه مقالتي عن الفن الضائع في مجتمعنا، أتمنى أن يستفيد الناس من هذه المقالة ويبدأوا في تطبيقها على أرض الواقع، فما أحوجنا لمثل هذا الفن الراقي الذي يجعلنا نعرف واجباتنا نحو الآخر قبل معرفة حقوقنا عليه؛ أتمنى لكم قراءة سعيدة، وإلى اللقاء مع مقالات إيجابية جديدة.


المصادر:

1 2






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة