الرياضة حرب بيضاء ومنافسة شريفة

للإجابة على هذه التساؤلات سوف نحتاج أن نسوق مقدمة بسيطة عن تاريخ نشأة المنافسة الرياضية، حتى نعرف لماذا نشأت الرياضة أولاً، وبعد ذلك نعرض بعض الأقوال للنقاد الذين قالوا أن الرياضة حرب بيضاء أو ما شابه ذلك، ثم نعرض الجانب الأسود لهذه الحرب التي من المفترض أن تكون بيضاء.
تاريخ نشأة المنافسة الرياضية:
تدل الآثار المصرية على أن المصريين القدماء كانوا يمارسون أنواعاً من الرياضة منها المصارعة والرقص، ولا شك أن الرياضة أثبتت نفسها كعامل مهم لتدريب المحاربين، وفي كثير من اللوحات صور لفراعنة مصر وهم يمارسون صيد الأسود والغزلان بالقوس أثناء ركوبهم عرباتهم الحربية.
وتدل آثار العصر اليوناني مثل الملعب الأولمبي باليونان، على أن العديد من الرياضات كانت تنظم لها المسابقات للمشاركين من بين البلاد اليونانية، وقد استوحيت العديد من الرياضات من الأنشطة التي قام بها الإنسان البدائي مثل:
- مطاردة الفريسة من أجل لقمة العيش، فقد استوحي منها رياضة العدو والرماية.
- القفز لتجاوز الكوارث الطبيعية، وقد استوحي منه رياضة القفز.
- السباحة في البحر، وصيد الأسماك، وقد استوحي منها رياضة السباحة.
- استعمال الخيل للتنقل، وقد استوحي منها رياضة سباق الخيل.


صور أثرية عن رياضة المصارعة
لعل بعض النقاد يصفون المنافسات الرياضية بالحرب البيضاء، أو الحرب بدون أسلحة، فهي منافسة بين طرفين تعزز من القوى والمهارات الرياضية لدى كل طرف، وهذا كان مفيداً للحضارة المصرية القديمة وإنشاء الجيش المصري الفرعوني، فكما قلنا في فقرة تاريخ نشأة الرياضة، أن الرياضة أثبتت نفسها كعامل مهم في تدريب المحاربين في الحضارة المصرية القديمة؛ أيضاً المنافسة الرياضية تُفرغ الطاقة الكامنة في الإنسان نحو الحرب، فكل شخص منا بداخله ميول نحو القتال والإحساس بشهوة الانتصار والبطولة؛ من هذا المنطلق وصف بعض النقاد الرياضة ومنافساتها بأنها حرب بيضاء، أو حرب بدون أسلحة، أو ما شابه ذلك من الأقوال، وفي أسفل هذه الفقرة سوف أعرض لكم بعض تلك الأقوال.
- قال حسن المستكاوى (الكاتب الصحفى والناقد رياضى) : “أن البديل المشروع لحرب فى العالم الآن هو كرة القدم، وتشجيع الكرة يمثل تعبير عن الوطنية”.
- قال مصطَفَى شكدالي (الباحث المغربي في علم النفس) : “حينما نقول إن أحد عشر لاعبا يمثلون أكثر من ثلاثين مليون مغربي، فإن في ذلك شيئاً من المغالطة، لا تبقَى معه المسألة منسحبة على فريق كروي من عدة لاعبين فقط، بل تتخطاه إلى دولة في مواجهة أخرى” ، ويضيف شكدالي: “خير دليل على ذلك؛ ألقاب الفرق، خاصة الأفريقية منها، وهي أسماء الحيوانات والمحاربين، على نحو نجد معه أنفسنا إزاء حرب رمزية تنتفي معها الروح الرياضية، في ظل اشتغال وسائل الإعلام على إبراز النزعة الطاغية، دونَ الرياضة، التي تبقَى غائبة في نهاية المطاف” ، ويرى أن المحصلة هي دغدغة مشاعر الشعوب وعواطفها، إلى مدى يمكن معه القول إن كرة القدم حلت مكان كثير من الأيديولوجيات، وأصبحت بمثابة أفيون للشعوب، وبالتَالي يجب النظر إلى الظاهرة في بعدهَا النزعوي لا الرياضي الصرف ، وذهب الباحث إلى اعتبار أنَّ الحديث عن جمهور كرة القدم يضعنا، أمام جمهور يبحث في العمق عن فرح، حتى وإن كانَ فرحاً زائفاً، فالمتحدث يقول ‘لعبنا’ بدل ‘لعبوا’، ويتحدث بصيغة الجمع في حين أنه ليس المعنيّ المباشر باللعب وإنما اللاعبون، وهذه الإحالة علَى الانتماء بها مغالطة كبيرة جداً.
- الكاتب الإنكليزي جورج أوروال قال ذات يوم: “الرياضة حرب بدون بنادق”.
الجانب الأسود:
بلا شك المنافسات الرياضية إذا تحلّت بالروح الرياضية وثقافة الحرب البيضاء الخالية من السلاح فستكون الفائدة كبيرة، حيث أنه لا سلاح سوى العقل والمهارة الرياضية دون تدمير للكيان الإنساني كما يحدث في الحروب التقليدية، فكم سمعنا عن نجوم في العالم الرياضي قاموا بإنهاء مشاكل سياسية عديدة برسالة سلام نابعة من أبطال هذه الحرب البيضاء، فمثلاً اللاعب “ديديه دروجبا” الذي ساهم في وقف الحرب الأهلية في ساحل العاج، واللاعب البرازيلي “بيليه” الذي ذهب خصيصاً لنيجيريا مع منتخب بلاده لخوض مباراة ودية في نيجيريا هذفها إيقاف الحرب الأهلية هناك وبالفعل توقفت لمدة 48 ساعة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
لكن عندما تنهار أمام أعيننا الروح الرياضية وتصبح المنافسة مجرد حرب حقيقية فإنّك تجد الحرب البيضاء تغضب وتصير سوداء معتمة لا تُبقي ولا تذر، والتاريخ الأسود ملئ بأحداث مثل هذه، ولعل أشهرها الحرب التي قامت لمدة ستة أيام بين هندوراس والسلفادور وذلك بسبب إدخال المارد السياسي في عالم الرياضة الأبيض، عزيزي القارئ لك أن تتخيل أن مجرد مباراة فاصلة بين هندوراس والسلفادور للتأهل لمونديال 1970 في المكسيك والتي فازت بها السلفادور كانت لا محالة الشرارة التي أيقظت مارد السياسة فأمر بتحويل الحرب البيضاء لحرب سوداء لا تُبقي ولا تذر.
لذلك علينا أن نتحلى بثقافة التشجيع، وأن نبتعد عن التعصب وقلب المفاهيم، فهي يا عزيزي منافسة شريفة أشبه بحرب بيضاء سلمية خالية السلاح، فلا تحولها لحرب تقليدية بسلاح الحماقة والتعصب.
كانت هذه بعض الملاحظات التي أردت أن تعرفوها عن الرياضة أملاً في تغيير ثقافتنا ومفاهيمنا عن الرياضة ومنافساتها والتشجيع للفرق المتنافسة فيها؛ أتمنى أن يفيدكم هذا المقال، وإلى اللقاء مع مقالات جديدة ومفيدة.
المصادر:
1 2 3 4 5 6 7
تعليقات
إرسال تعليق